الأمن الغذائي العربي في وضع حرج

كتب/ شبل هيكل 

بمجرد بدء العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، منذ فبراير 2022، بدأ العالم يتأثر غذائيا، لتوقف إمداد العالم من الحبوب كالقمح والذرة وفول الصويا وكسب العباد وغيرها من الإمدادات الزراعية والأسمدة عدة مرات خلال ما يقرب من عامين.

وتعتمد العديد من الدول العربية بنسبة كبيرة من مشترياتها الغذائية على أوكرانيا أو روسيا، وهم بلدى النزاع، كما شهد العالم خلال الفترة الأخيرة تغيرات مناخية كانت الأعنف منذ عقود، سواء كانت من الجفاف أو البرد الشديد، المؤثرة على المحاصيل فى كل من فرنسا والأرجنتين والبرازيل حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي عانت من تلك التغيرات، وهذا ما جعل الأمن الغذائي العالمي في خطر شديد وأطلقت العديد من المنظمات الدولية عدداً من التحذيرات على إثر ذلك حول خطورة الوضع الغذائي العالمي.

إمدادات العالم من الذرة 

والجدير بالذكر، نجد أن قبلة الصين فى مشتريات الذرة والصويا تغيرت من الولايات المتحدة الأمريكية إلى البرازيل،  تبعاً للخلافات المستمرة بين البلدين والتصعيد الاقتصادي المستمر على خلفية الحرب الباردة في عام 2023، حيث أصبحت البرازيل من أوائل الدول الموردة للذرة الصفراء إلى العالم،  بالإضافة إلى وجود الصين والبرازيل ضمن مجموعة البريكس، التي تتعامل بعملات محلية بعيدا عن الدولار والذى تسبب برفع الفائدة، مع وجود انخفاض في مشتريات العالم من الحبوب، مؤدياً إلى أزمات حقيقية في اقتصاديات دول كثيرة، الأمر الذي جعل الأرجنتين القارة اللاتينية البرازيل تبحث عن طرق أخرى لتصدير منتجاتها بعيدا عن الدولار، وقد اتفقتا من حيث المبدأ  على اعتماد عملة لاتينية يتم التعامل بها للتصدير إلى الدول الراغبة فى شراء الحبوب من أمريكا اللاتينية. 

التغير المناخي وتأثيراته تدق ناقوس الخطر وفي سياق متصل، نلاحظ أنه في الشهور الأخيرة خلال عام 2023 عدد من الحوادث المناخية التي تنذر العالم بمخاطر التغير المناخي، وعلى رأس تلك الأحداث جفاف بعض الأنهار فى أوروبا مثل نهر اللوار في فرنسا، المعتبر أطول نهر في فرنسا بسبب شح الأمطار، فضلاً عن تأثر نهر ” بو ” أيضا فى إيطاليا، وهو من أطول وأغزر الأنهار بها  وغيرها من الأنهار في أوروبا، الأمر الذي هدد إنتاجية محصول القمح فى أوروبا وعدد من الزراعات، كما تأثرت إنتاجية الأرجنتين خلال العام نفسه، بفضل موجات الصقيع التي غطت المحاصيل فى الارجنتين، مؤدية إلى انخفاض الإنتاج  وفساد ملايين الأطنان المحتمل حصادها من تلك المزروعات.

بالإضافة إلى تأثر كندا بحرائق الغابات، المسببة هلاك مئات الهكتارات من أفدنة الغابات، مشفرة عن إظلام  بعض ولايات أمريكا بسبب الدخان المتصاعد  من تلك الحرائق، الأمر الذي جعل المسؤولين يخرجون فى عدد من الولايات القريبة من كندا، لإطلاق التحذيرات للسكان، فضلاً عن تأثر بعض من جزر هاواي بسبب الحرائق فى شهر أغسطس من نفس العام، وهذه الأمور غير معهودة في تلك المناطق من العالم.

وضع الحبوب عالميا خلال الربع الأخير من 2023

وفيما يتعلق بأحداث العام الحالي، وقعت العديد من الأمور الهامة، منها وقف اتفاقية تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا التي تمت تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة،  برعاية تركية، وهذا الأمر الذى جعل كثير من المسؤولين  الأوروبيين يطلقوا العديد من التحذيرات للعالم جراء هذا القرار الروسي الناتج عن عدم التزام أوروبا بالسماح للمنتجات الزراعية الروسية للعودة إلى الأسواق العالمية، مما اضطرت روسيا إلى وقف الاتفاقية، فضلاً عن استهداف لعدد من الموانئ الأوكرانية وصوامع و مخزونات القمح، المستهدف تقديمها إلى الأسواق العالمية خلال الربع الأخير من العام الحالي والعام المقبل، وبهذا تعد أولى المشاكل التي قد تواجه العالم غذائيا.

وفي حالة وقف تصدير الحبوب كما حدث مع الهند والصين في العام الماضي، بامتناع البلدين عن تصدير الأرز للعالم في حالة أصابت أسواق الأرز عالميا بحالة من الزعر وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وخاصة فى أسواق الخليج والسوق المصرى وعدد من دول العالم.

النتائج الأولية للتغير المناخى والحروب 

وتمثلت نتائج ما تم ذكره سابقاً، إلى زيادة  أسعار الغذاء في المنطقة العربية، والتي ظهرت في ارتفاع أسعار منتجات الألبان واللحوم والبيض والأسماك والأرز والدجاج، وهو ما أثار القلق لدى الحكومات العربية، مسببة اتباع استراتيجيات جديدة في تنويع مصادر التوريد من الغذاء، وأيضاً اتباع طرق حديثه فى تخزين الحبوب والإنتاج الحيواني، في محاولة للحد من المخاطر المستقبلية، لذا أخذت جمهورية مصر العربية على عاتقها  توفير الغذاء الكافي للملايين من الشعب المصرى و الضيوف من الدول الشقيقة على أرضها، كما مدت يد العون بالغذاء للدول المجاورة التي تعاني مجموعة من الأزمات الطارئة، كما اتجهت مصر خلال ال ٥٠ يوم الماضية، لرفع مخزوناتها من القمح بما يقرب من مليون وثلاثمائة ألف طن،  فى وقت مهم جدا قبل تأزم الأمور عالميا، كما انتهجت دولة الإمارات العربية المتحدة طريقا آخر في مساعدة الدول العربية، كما أنها مدت يد العون إلى الدول الشقيقة من خلال توفير الحبوب الأساسية اللازمة، للاستمرار في الإنتاج الحيوانى والغذاء البشرى من هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، وغيرها من المنظمات الحكومية الإماراتية، التي تعمل على قدم وساق لتحقيق الأمن الغذائي لدولتها والدول الشقيقة، حيث يعتبر الأمن الغذائي العربي هدف مشترك لدى الدول العربية الطامحة فى النجاة بشعوبها فى وقت حرج ملئ بالأزمات العالمية.

تهديدات للزراعة في المنطقة العربية

ونجد أن الوطن العربى قد تعرض لعدد من  التهديدات بالفقر المائي نتيجة التعدي بالسدود على الأنهار العابرة للحدود من دول المنبع، كسد النهضة على نهر النيل وأثره على السودان ومصر ، وكذلك سد اليسو على نهر الفرات وأثره على سوريا والعراق،  وأيضا سدود إيران على نهر سيروان فى شمال شرق العراق الأمر الذى يثير كثير من التساؤلات حول وضع الغذاء في المنطقة العربية، وهذا ما سنتطرق له في عدد من المقالات الفترة المقبلة.

 

أضف تعليقك هنا

One Response

Add a Comment

You must be logged in to post a comment

الأخبار ذات الصلة

يستمر ميناء دمياط في استقبال خامات الأعلاف من أجل تلبية احتياجات السوق المحلي من الذرة الصفراء وفول الصويا، وجاء ذلك في إطار …

أصدرت منظمة الفاو بيانات رسمية تؤكد على تراجع أسعار السلع الغذائية العالمية في شهر يونيو الجاري بالتزامن مع انخفاض أسعار الحبوب الذي …

شهدت أسعار الدولار الأمريكي الاستقرار اليوم الأحد فى البنوك المصرية الحكومية والخاصة بالتزامن مع عودة البنوك المصرية من العطلة الأسبوعية الحكومية والخاصة، …

حافظت أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم على استقرارها في جميع أسواق الأسماك والمأكولات البحرية، وخاصة أسواق العبور الجملة للأسماك، فقد تحقق الاستقرار …