ماذا لو… فقد الدولار الامريكى مركزه العالمي

كتب/ شبل هيكل

أصدرت خلال الأسابيع القليلة الماضية عدد من التقارير التي توضح مخاطر مستقبل الدولار، فضلاً عن تباين مؤشرات السلع داخل البورصة الأمريكية، كما لوحظ بعد قرار تثبيت الفائدة  فى الأول من نوفمبر 2023 وقوع عدد من التغيرات في الاقتصاد الأمريكي بشكل ينذر بالقلق لدى المحللين والمتداولين في أسواق المال.

بالإضافة إلى توجه عدد من البنوك المركزية في العالم إلى إصدار أذون خزانة بالدولار و بعملات أخرى، في محاولة منهم إلى تجنب مخاطر خطوات الفيدرالى، حيث انتهج التشدد النقدى آخذة على عاتقها حفض معدلات التضخم دون الاعتبار لأى محددات أخرى.

وبهذا أصبح من أهم الوسائل لدى بنوك العالم هي التحوط الذهبى ورفع مخزونات البنوك المركزية لديها من الذهب وسلة من العملات كاليورو واليوان الصيني والين اليابانى وعملات ورقية مدعومة بالذهب فى بعض البنوك المركزية، وكأن البنوك المركزية تستشعر أمرا لا يراه الاقتصاديون.

 نقاط التحول

وفي سياق متصل، أصدر تقرير من قبل  بنك نومورا الياباني في نهاية أكتوبر 2023، الذي يشير إلى احتمالية انخفاض زوج العملات من الدولار واليورو فى محاولة منه  لتحذير المستثمرين والمودعين  لديه بمخاطر سوق العملات مستقبلا والسامعين إلى التحوط من المستثمرين بالدولار الأمريكى، حيث أرجع الأمر إلى سياسة التشدد النقدى المتبعة من الفيدرالى الأمريكي، بالإضافة إلى تقارير سوق العمل التى لم تأخذ فى الحسبان، و إضرابات العمال فى شركات تصنيع السيارات الأمريكية وأضافت تلك الأعداد من الموظفين المضربين في هذه الصناعة الكثيفة التشغيل إلى تقرير البطالة الذى شكك فيه المحللون.

كما انتهجت الصين سلسلة من الرفع لمخزونات الذهب لديها فى البنك الصينى الشعبى، حيث أرجعت الأمر  لتخليها عن بعض استثمارات البنك المركزي الصيني وكبار شركات المال الصينية فى أذون الخزانة الأمريكية، كبديل عن رفع احتياطات الذهب لديها في محاولة من المركزى الصينى لدعم اليوان الصينى أمام الدولار الآخذ  في التشدد ورفع الفائدة بشكل يضر باقتصاد الصين، لذا اتجهت الصين إلى تحويل جزء كبير من تجارتها مع دول أخرى مثل روسيا التي أعلنت عن طموحها في زيادة حجم التجارة البينية  للدولتين بما يعادل 200 مليار دولار أمريكي خلال العام المقبل 2024، كما عملت الصين على تنفيذ طموحها فى خطة الحزام والطريق وربطت بين بنكها المركزي وبين بنوك دول عديدة في الشرق الأوسط وآسيا ومختلف دول العالم، لضمان تدفق منتجاتها وضمان سلاسل التوريد إليها خلال الأعوام المقبلة.

دور مصر 

وكان لمصر دورا قويا فى تعزيز مركزها النقدى للجنيه، حيث احتاطت من المخاطر المتوقعة، بأخذ المركزى المصرى على عاتقه تأمين الإقتصاد  المصرى ودفعه إلى الأمام عن طريق تأمين الجنيه المصرى من مخاطر المستقبل التى تهدد الدولار، لذلك اتجه المركزى المصرى إلى  ربط الجنيه بسلة من العملات، حيث أصدر أذون خزانة بالين اليابانى وأطلق عليها اسم الساموراي لربط المركزى المصري المركزي الياباني في التبادلات التجارية والخدمية بين البلدين، كما استصدرت  القاهره أذون الباندا باليوان الصينى وربطت المركزى المصرى بالبنك الشعبى الصينى، فضلاً عن حصول القاهرة على قرض من الصين بقيمة 7 مليار يوان صينى بما يعادل المليار دولار تقريبا في محاولة لتعزيز احتياطات المركزي المصري من النقد الأجنبي، وخاصة وأن حجم التبادل التجارى بين الدولتين وصل إلى ما يقرب من 16 مليار دولار فى عام 2023 ،كما استصدرت القاهرة أذون خزانة بـ اليورو لأجل سنة بقيمة 650 مليون يورو تقريبا خلال الشهر الحالى استكمالا  لتحييد تأثر الاقتصاد المصرى، بمخاطر تأثر الدولار الأمريكى، بالإضافة إلى سعي مصر على تعميق تجارتها مع روسيا حيث ربطت القاهرة المركزي المصري بالمركزي الروسى من خلال نظام ( مير ) الروسى لتسوية مدفوعات القاهرة من القمح والذرة وتقليل الفجوة الدولارية فى المدفوعات، ولكن 

كل هذا لم يكن كافيا فى وجهه نظر الحكومة المصرية التى رأت فى هذا التأثير قوة محتملة على الاقتصاد  العالمى فلجأت القاهرة إلى رفع احتياطيات سبائك الذهب لديها بما يعادل 8 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2023 في حالة من التحوط من مخاطر الانهيار الاقتصادي العالمى المتوقعه من الخبراء كما تسعى في طريق تعزيز قوة الجنيه المصرى الذى يعود أثره على الاقتصاد المصرى. 

التشدد النقدي في الأوروبي 

في حين أن المركزى الأوروبى الذى عانى على مدار عامين من التشدد النقدى لدى الفيدرالى الأمريكى، حيث ذهب إلى دعم اليورو مقابل الدولار الذي وصل إلى 1.1 دولار عام 2022، وهذا ما جعل المركزي الأوروبي يتدخل بشكل قوي لرفع الفائدة لديه وفى بنوك أوروبا، في محاولة منه على الحفاظ على قيمة اليورو أمام الدولار وتعزيز مركزه، وخاصة بعد هروب كم كبير من رؤوس الأموال العاملة فى الاقتصاد الأوروبى.

وقد أخذ المركزي الأوروبي خطوة استباقية في نهاية أكتوبر بتثبيت الفائدة،  مما أثر على قرار الفيدرالى الأمريكى ودفعه بشكل قوي نحو الثبات فى محاوله منه الحفاظ على اقتصاد أوروبا، إما الآثار الجانبية الناتجة عن رفع الفائدة كما حدث من قبل عند انهيار بنك كريدى سويس متزامنا مع الانهيار المالي الذي لحق ببنك وأدى السيليكون خلال العام الحالى.

ما هو مستقبل التجارة الدولية فى النظام العالمى الجديد؟

يمكن الاستنتاج وفقاً لما سبق، أنه خلال عام 2023  ستبحث العديد من دول العالم  على وسيلة جديدة لتسوية مدفوعاتها  الدولية مقابل السلع والخدمات فيما بينها، وقد ظهر هذا الأمر بقوة من خلال التجمعات الدولية والمنظمات التى تصدرت المشهد التجارى الدولى خلال العام الحالى، كما  ظهر هذا جليا فى تقارير اجتماعات منظمة شنغهاي عام 2023 والتي جمعت عدد كبير من دول آسيا الراغبة فى تعميق التبادل التجاري فيما بينها بعيدا عن العقوبات الدولية، حيث انضمت أكبر دولتين نصيبا من تلك العقوبات وهما إيران وروسيا التى وقع عليهم المجتمع الدولي عدد كبير من العقوبات الاقتصادية خلال الأعوام الماضية لأسباب سياسية.

كما اتضح هذا النهج من دول العالم فى اجتماع  مجموعة البريكس هذا العام، حيث حصلت على عدد كبير من طلبات الانضمام إلى المجموعة، وبالفعل قد وافقت قادة المجموعة على انضمام كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية وإثيوبيا كأعضاء جدد،  يتم تفعيل التجارة معهم بالعملات المحلية، بداية من يناير 2024 مع باقى دول المجموعة الرئيسيين  وهم البرازيل وروسيا الاتحادية والصين الشعبية والهند وجنوب أفريقيا، الأمر الذي يوضح اتجاهات دول العالم مستقبلا في التجارة الدولية. 

عملت الصين بشكل منفرد في بسط نفوذها الاقتصادي وفرض عملتها على العالم من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي  بينها وبين عدد من الدول ومن أهمها روسيا التي طلبت من الهند خلال الفترة الماضية تسديد مدفوعاتها للنفط  الروسي باليوان الصيني بدلا من الروبية الهندية، مع عمل الصين من خلال خطة الحزام والطريق التي أخذت خطوات فعاله وقويه في تنفيذها خلال العام الحالى بإتجاه الشرق الأوسط تبعاً لمخرجات القمة العربية الصينية في المملكة العربية السعودية، والتى كانت من أهم مخرجاتها تحويل جزء من مدفوعات الصين النفطية من الدول العربية باليوان الصيني بدلا من الدولار الامريكى،  كما ربطت الصين بنكها المركزي ببنوك بعض الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة  حيث الاتفاق حول عملات رقمية تربط البلدين مدعومة بالذهب لتسوية المدفوعات التجارية، كما زودت مصر بقرض قيمته 7 مليار يوان تقريبا لربط المركزى المصرى بالمركزي الصينى الشعبى لتعميق  التبادل التجارى بين البلدين ضمن عدد من أطر التعاون سواء على المستوى الفردى بين البلدين أو التعاون ضمن مجموعة البريكس أو منظمة شنغهاي التي ستنضم  لها القاهره قريبا فى دور مراقب.

بجانب احتمالية اعتماد بعض الدول على المقايضة كما حدث بين مصر والهند خلال عام 2023 وقد يتسع الأمر ليشمل دول أخرى فى معاملاتها التجارية بين البلدان بعضها البعض في حالة من عدم اليقين حول قيمة العملات المعتمدة لدى الدول فى التبادل التجارى وقد يصل الأمر إلى التجارة بشكل مباشر بين الدول وبعضها البعض بالذهب الخالص، إذا ما حدث الانهيار وعدم اليقين فى سابقه لم تحدث فى شتى الأزمات الاقتصادية الماضية، حيث من الممكن أن نعود  إلى طرق بدائية للتجارة الدولية خلال السنوات المقبلة، بفعل التعنت الدولى والقطبية الشديدة قبيل نشأة  النظام العالمي الجديد. 

كيف تستفيد القاهرة من تلك الخطوات

ويجدر الإشارة إلى كل الخطوات التى أخذتها مصر فى طريقها إلى التنمية المستدامة وتأمين الاقتصاد المصري من مخاطر الانهيار الاقتصادي العالمي المتوقعة كانت جيدة، حيث ستظهر نتائج تلك الخطوات قريبا إذا ما حدثت تحذيرات البنوك و المحللين، باعتبار أن الأمر بالإيجابية لصالح القاهرة على فاتورة استيرادها من المواد الخام والحبوب وخاصة القمح الذى اعتمدت القاهرة على روسيا في التزود به خلال الأعوام الماضية، 

كما تتحسن أسعار الذرة والصويا تدريجيا حيث تعمل مصر على تسديد قيمة فاتورة الاستيراد من دول شريكة في هذه الخطوات مثل البرازيل والأرجنتين اللتان تسعيان فى طريق التحرر من القيود الدولارية وتوسيع حجم صادراتها من الحبوب والسلع الغذائية مع العالم.

كما ستستفيد القاهرة في توسيع حجم مبادلاتها التجارية بينها وبين روسيا، وخاصة في المجال النفطي، حيث ستحتل مصر دورا محوريا  في تكرار واعادة تصدير منتجات مشتقات النفط الروسي، لكونها مركز لوجيستى للتبادل التجاري في أفريقيا والوطن العربى. 

وأيضا سيظهر نتائج إيجابية قوية فى فتح مجالات استثمارية عديدة أمام الشركات الصينية الطموحة في الدخول إلى الأسواق الأفريقية، حيث ستكون القاهرة مركزا  لتلك الاستثمارات المستهدفة من قبل الصين في المنطقة ،مع  إمكانية التبادل المالي الآمن البعيد عن المخاطر الدولارية فى المستقبل، مما يفتح للقاهرة طرق جديدة للاستفادة من الخبرات الصينية في مجالات متنوعة منها الزراعة والتصنيع الزراعى والإنتاج  الحيوانى والطاقة والصيد البحرى والنهرى وغيرها من المجالات التى طرحت ابكين إمكانية نقل التكنولوجيا والمساعدة فيها داخل الاقتصاد المصرى.

 

أضف تعليقك هنا

Add a Comment

You must be logged in to post a comment

الأخبار ذات الصلة

مع بداية التعاملات الأسبوعية لحركة البيع والشراء في أسواق الدواجن، قفزت أسعار الدواجن بقيمة 7 جنيهات في الكيلو الواحد، وقد تحقق الارتفاع …

على عكس السائد في بورصة شيكاغو لتداول الحبوب، حققت أسعار عقود الصويا الآجلة ارتفاع ملحوظ في نهاية التعاملات أمس بورصة شيكاغو، وذلك …

حذرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية من حالة الطقس المتوقعة اليوم وخلال الأيام المقبلة على جميع المحافظات، حيث نشهد أجواء شديدة الحرارة في …

يواصل ميناء دمياط في الإفراجات الجمركية، وطرح خامات الأعلاف في الأسواق لتلبية احتياجات السوق المحلى من الذرة الصفراء وفول الصويا، فضلاً عن …