منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتوقيع العقوبات على التجارة الروسية، لجأت روسيا إلى التعامل التجارى بينها وبين البلدان الأخرى بالعملات المحلية، بعيدا عن الدولار كنوع من التفادى للعقوبات، وأيضا ضغط عكسى على العملة الأمريكية التى تتصدر العملات العالمية المعتمد عليها في تسوية المعاملات التجارية الدولية.

ومن هنا بدأت روسيا فى اعتماد نظام تحويل الرسائل المالية كنظام بديل عن نظام سويفت الحالى والمعتمد لدى نسبة كبيرة من دول العالم فى تسوية معاملاتها التجارية الدولية. 

ضغط روسي على الهند للتسديد  باليوان الصيني

خرج الينا تقرير منذ أيام عبر منصة بلومبيرج يؤكد رفض شركة ( بهارات بتروليوم ) الهندية تسوية مدفوعاتها البترولية لروسيا باليوان الصيني، نظرا للتوترات القائمة بين نيودلهي وبكين، بعد أن عانت روسيا من تراكم المليارات من الروبية الهندية والتي لا تستفيد روسيا كثيرا منها، وخاصة أن الميزان التجاري بين الدولتين يصب فى مصلحة الروس.

الأمر الذى أدى إلى حتمية التعامل بين الدولتين بعملة بديلة أخرى، وكانت من نصيب اليوان الصينى لما له من أفضلية، لدى روسيا نظرا لعظم حجم التبادل التجارى بين روسيا والصين ولكن في حالة شركة ( بهارات بتروليم ) اتفقا الطرفين على اعتماد الدرهم الإماراتي فى تسوية تلك المدفوعات الأخيرة فى حين إلحاح شركات النفط الروسية التعامل باليوان الصيني في تسوية تلك المدفوعات.

في حين آخر اعتمدت ( انديان أويل ) وهي أكبر شركة لتكرير البترول فى الهند على تسوية مدفوعاتها البترولية لروسيا باليوان الصيني خلال عامين ولا يوجد رقم واضح ومعلن حتى الآن ، لتوضيح حجم الطلب على اليوان الصينى من قبل الهند وذلك له عدة أسباب أهمها الخلافات الهندية الصينية على الحدود فى وسط آسيا، ولكن كان واضحا لدى الخبراء بعض الملامح الأولية التي ظهرت من خلال حجم التبادل التجارى الهندى والصينى خلال نفس المدة والذي ارتفع كثيرا عن سابقه فى الأعوام الماضية،  وهنا يتضح لنا الأمر وهو احتمالية اعتماد الدول في تسوية معاملاتها التجارية باليوان الصينى خلال الفترة المقبلة بدلا من الدولار.

إجراءات صينية لدعم اليوان 

من هنا بدأ اليوان الصيني يكتسب المزيد من القوة فى الطلب الدولى حيث بشكل شبه يومى نرى تسعير أقل للدولار الأمريكى فى بنك الصين الشعبي والذي وصل حتى أمس ما يقرب من 7.17 يوان صيني مقابل الدولار الواحد الأمر الذي لم يكن معهودا، متوقعا لدى بعض الخبراء، نظرا لانتهاج الفدرالى الامريكى سياسات متشددة ورفع مستمر ومطرد للفائدة والذي أثر على  مختلف عملات دول العالم، وكان التأثير واضحا  وقويا فى أوروبا فى الربع الأخير من العام الماضى 2022 ومطلع العام الحالي ،2023 حيث وصل الدولار إلى مستوى اليورو وكان 1 دولار يساوي 1 يورو، الأمر الذي أدى إلى هروب العديد من رؤوس الأموال العاملة في أوروبا إلى بنوك الولايات المتحدة الأمريكية، مسببة كم كبير من الأزمات في الاقتصاد الأوروبي، ونرى ايضا تركات من البنك الصينى الشعبى لرفع احتياطيات الذهب لديه في نفس المدة من العام وكأنه يستعد لخطوات أكثر جدية لاكتساب مزيد من القوة.

 مصر وتوجهات نحو اليوان

وإذا نظرنا خلال الايام القليله الماضيه الى الشرق الاوسط نرى أن القاهرة قد وقعت اتفاقا  من خلال وزارة المالية على توفير ما يقرب من 3.5 مليار يوان صينى ك سندات لأجل ثلاث سنوات بضمانه ائتمانية من البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية والبنك الأفريقى للتنمية وهى بنوك ذات تصنيف ائتماني مرتفع عالميا لما وجدت فيها مزايا عن السندات الدولارية.

المملكة العربية السعودية والبترويوان

كما صرحت المملكة العربية السعودية قبيل القمة الصينية العربية في الربع الأول من العام ٢٠٢٣ بأن المملكة تدرس إمكانية بيع النفط السعودي للصين باليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكى فى خطوة تكاد تكون الأقوى عالميا نظراً لعمق العلاقات السعودية الأمريكية والتى تعد مصدر قوة الدولار وسيطرته على الأسواق العالمية، لاعتماد دول العالم فى تسوية معاملاتها النفطية العالمية بالدولار كعملة أساسية،  فإذا ما قررت المملكة في اعتماد اليوان الصينى فماذا ستكون العواقب عالمياً ؟!

 وهنا السؤال الأهم هل يستطيع اليوان الصينى التغلب على منافسة الدولار الأمريكى فى أن يكون عمله التبادل التجارى الدولى، والملاذ الآمن للمستثمرين وأن يكون احتياطى نقدى للدول ؟؟  

هذا ما سنراه واضحا في الفترة الأولى من قيام النظام العالمى الجديد الذى يعمل بقوة على النهوض وسط تحديات عالمية قوية وانهيارات اقتصادية تلوح في الأفق.